ترامب و«الجنائية الدولية».. تحدٍ للقانون الدولى أم حماية للحلفاء؟
ترامب و«الجنائية الدولية».. تحدٍ للقانون الدولى أم حماية للحلفاء؟
أثار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب جدلًا واسعًا بعد فرضه عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية (ICC)، إثر إصدارها مذكرة توقيف فى حق رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت، متهمةً إياهما بارتكاب جرائم حرب فى غزة. هذه الخطوة لم تكن الأولى من نوعها، إذ سبق أن اتخذ ترامب مواقف مشابهة ضد المحكمة، لكنه اليوم يعود إلى الواجهة مجددًا فى سياق أكثر توترًا على الساحة الدولية.
فرض العقوبات على المحكمة الجنائية الدولية يمثل تحديًا مباشرًا للجهود العالمية الرامية إلى تحقيق العدالة الدولية، حيث إن المحكمة تُعد الأداة الأساسية لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم الدولية. وبهذا الإجراء، يضع ترامب الولايات المتحدة فى مواجهة مع المؤسسات القانونية الدولية، مما قد يؤدى إلى إضعاف ثقة المجتمع الدولى فى قدرة هذه المؤسسات على فرض القانون.
يخشى كثيرون أن تؤدى هذه العقوبات إلى تشجيع الدول الأخرى على انتهاك القوانين الدولية دون خوف من المحاسبة، فإذا كانت دولة بحجم الولايات المتحدة تستطيع معاقبة المحكمة الجنائية الدولية، فإن ذلك قد يكون سابقة خطيرة تمنح الضوء الأخضر لدول أخرى لاتخاذ إجراءات مشابهة ضد المؤسسات الدولية.
أثارت تصريحات ترامب ردود فعل غاضبة من قادة أوروبيين، مثل رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ووزير الخارجية الألمانى هايكو ماس، اللذين أكدا ضرورة احترام سيادة المحكمة واستقلاليتها. كما أن الأمم المتحدة أعربت عن قلقها إزاء محاولات تقويض عمل المحكمة، مؤكدةً أنها كيان مستقل ينبغى ألا يخضع للضغوط السياسية.
إن فرض العقوبات على المحكمة الجنائية الدولية يُعد انتهاكًا صارخًا لمبدأ التعاون الدولى الذى يُعتبر ركيزة أساسية فى العلاقات بين الدول، فالولايات المتحدة، بصفتها قوة عظمى، يُتوقع منها دعم العدالة الدولية لا إضعافها، خاصة أنها كانت من الدول التى أسهمت فى صياغة العديد من القوانين الدولية.
إضعاف المحكمة الجنائية الدولية قد يؤثر على قضايا حقوق الإنسان فى مناطق النزاع، حيث تعتمد كثير من الجهات الحقوقية على المحكمة لمحاسبة مجرمى الحرب. وبإجراءات ترامب، قد تتقلص قدرة المحكمة على تنفيذ أوامر الاعتقال ضد المسؤولين عن الجرائم الدولية، مما قد يؤدى إلى زيادة الانتهاكات دون رادع.
وقد أدانت المحكمة الجنائية الدولية هذه العقوبات، مؤكدةً التزامها بمواصلة عملها رغم الضغوط. كما دعت الأمم المتحدة والدول الأوروبية إلى إلغاء العقوبات واحترام استقلالية المحكمة. وبالتزامن مع ذلك، عبّرت منظمات حقوقية عن قلقها من تأثير هذه الإجراءات على مسار العدالة الدولية.
تمثل تصريحات ترامب وإجراءاته تجاه المحكمة الجنائية الدولية تحديًا خطيرًا للنظام القانونى الدولى، خاصة أنها تأتى فى وقت تشهد فيه الساحة الدولية اضطرابات متزايدة. وبينما يرى مؤيدو ترامب أن هذه الخطوة تهدف إلى حماية حلفاء الولايات المتحدة، يرى آخرون أنها تُضعف النظام القانونى العالمى وتشجع على الإفلات من العقاب. فى النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن للمجتمع الدولى مواجهة مثل هذه التدخلات وحماية العدالة الدولية، أم أن النفوذ السياسى سيظل العامل الحاسم فى رسم ملامح القانون العالمى؟.
نقلاً عن المصري اليوم